الدعاية المغربية : من التمويه إلى التماهي
13/07/2010
بقلم: سعيد البيلال
أولا: التمويه
"أكذب، أكذب، ثم أكذب حتى يعتقد الناس أنها الحقيقة.."
هكذا لخص بول غوبلز وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر أساليب الدعاية السياسية، أحد أهم أشكال الاتصال وأبرز الأسلحة المستعملة في السلم كما في الحرب، هذا الشكل الذي أضحى من الشروط الأساسية للانتصار في أي عداء أو معركة سواء نشبت أو من المحتمل نشوبها بين تنظيمات سياسية أو دول أو فاعلين دوليين أو أي من الأشخاص المعنوية.
تأسيسا على ذلك فإن المغرب كنظام سياسي لم يخرج عن ذلك الإطار وعرف كيف يمارس الدعاية عبر كل الأزمان، وكدولة احتلال كانت له تجربة طويلة في هذا النوع من الحروب النفسية ولازالت إلى حد الساعة وفية لهذه الأساليب القذرة/الناعمة (Soft power)، والتي ترمي من وراءها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه البنادق والدبابات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان (Hard power) .
وعلى الرغم من أهمية دراسة الدعاية السياسية المستهدفة للشعب المغربي الشقيق من طرف المغرب كنظام سياسي، والتي لا تحتاج لكثير عناء نظرا لكثرة معطياتها ووفرة شواهدها عبر التاريخ، إلا أننا سنتطرق في هذا المقال لتلك الدعاية الممارسة علينا كصحراويين من طرف الاحتلال المغربي والرامية لتبريره وتكريسه وإطالة أمده في تناغم تام مع البندقية أو بدونها أو تعويضا لها.
ولا شك أن المتتبع لهذا الاحتلال منذ بداياته الدموية سيلاحظ أن هذا الأخير لم يبخل بأية وسيلة ولا طريقة ولا أسلوب من أجل شرعنة نفسه في البدء، ومن ثم التكريس وتغذية استمرارية الوجود بعد ذلك، ولكل ذلك انتهج كل السبل للوصول لتلك الغايات نذكر من بينها:
أسلوب التخويف والشيطنة:
- حيث عمل الاحتلال منذ البداية على شيطنة جبهة البوليساريو، التي تم تصويرها على أنها مجرد عصابة من القتلة وآكلي لحوم البشر وتوصيفها بمواصفات مزكية لذلك من قبيل "بيزايرو، لبيزات، مخيمات لحمادة والذل والعار وعوينة بلكرع..." ويرمي من وراء ذلك تخويف الجميع مغاربة وصحراويين من الجبهة وأدلجة الرأي العام المغربي وتنويمه وتجييشه وراء أطروحته دون تمحيص، وتهييج جيشه وقواته ودفعهم للحرب دون رحمة بهذا الشيطان!
أسلوب التقزيم والتصغير:
- من خلال تقديم الجبهة على أنها مجرد شرذمة ضالة، حفنة، ميليشيا، مرتزقة، متمردين، انفصاليين... وذلك لانتزاع صفة التمثيل والإجماع من طرف الصحراويين واجتثاث أي إمكانية لتعاطف الشعب المغربي معه، وإظهار عدم التكافؤ بين الغول المغربي والنملة الصحراوية، بين الأم الغفورة الرحيمة والابن العاق والضال، والتسليم من البداية بحتمية سحق الغول للنملة في أيام معدودة "مقولة النزهة الحسنية"، ناهيك عن التبخيس والتقليل من انتصارات هذه النملة! وإبراز الجزائر بأنها هي الخصم الحقيقي للمغرب وسبب "النزاع المفتعل!"، وبنفس الأسلوب يوصف مناضلي المناطق المحتلة بالبعض وأصابع اليد وانفصاليي الداخل والشرذمة والأقلية.
أسلوب التحقير والتقليل:
- من خلال نعت الجبهة في البدء بالتبعية لليبيا، كوبا، المعسكر الشرقي، وإلصاقها بعد ذلك بالجزائر كتابع وتلميذ بل كمجرد أداة طيعة لا حول لها ولا إرادة، وتسخيرها من طرف هذه الأخيرة كمطية للوصول لغايات وأهداف جيواستراتيجية وأطماع توسعية "ممر نحو المحيط" أو "الزعامة والهيمنة على المنطقة"، كل ذلك لنزع صفة حركة التحرر عن الجبهة ونزع الإرادة وحرية القرار والاستقلالية عنها، وبالأساس نزع صفة الندية بينها والغول المغربي، نفس الأمر بالنسبة للاجئين الصحراويين فهم ليسوا سوى "محتجزين" يتربصون بأول فرصة لتلبية "نداء الوطن غفور رحيم!!"، أما المناضلون الصحراويون بالداخل فهم مجرد مغرر بهم وبيادق ومسخرين ومدفوعين ومسيرين ومجندين من طرف الجزائر.
أسلوب التعتيم والتضليل:
- من خلال التعتيم التام على نتائج المعارك الكثيرة التي دارت رحاها بين مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي والجيش المغربي والتي تكبد فيها الأخير خسائر فادحة في الأرواح والآليات وأكثر من ألفي أسير، حيث تم التعتيم الكامل على معارك تاريخية انتصر فيها الجانب الصحراوي، كالكلتة، الفرسية، حوزة، أم الدكن، لمسايل، الواركزيز، الطنطان...الخ، كما تم الإنكار بالمرة لوجود الأسرى المغاربة لدى الجبهة إلا غاية التسعينات، كما تم تضليل الحقائق من خلال فبركة وقائع لا أساس لها كمعركة أمكالة حيث تم زعم وجود مقاتلين من الجيش الجزائري في المعركة إلى جانب الصحراويين، نفس الأمر بالنسبة لنضالات الجماهير الصحراوية بالداخل، حيث يضرب طوق من التعتيم على تحركاتهم وانتفاضاتهم، محاكماتهم واعتقالاتهم، بل يتم تزوير الوقائع من خلال محاولة تشويه نضالاتهم وإلصاق العنف باحتجاجاتهم السلمية والراقية وإلصاق تهم الحق العام والإجرام بملفاتهم وقضاياهم وإفراغها من مضامينها وخلفياتها الحقيقية.
ثانيا : التماهي
لم تقتصر الآلة الدعائية المغربية على الأساليب التقليدية كالتمويه والتزوير والتضليل، بل طورت أدائها خاصة في السنوات الأخيرة لتجرب أساليب أخرى، بمعنى لم يعد الاحتلال يراهن على المواجهة من الخارج فقط بل من الداخل كذلك، وذلك على الشكل التالي:
أسلوب المحاكاة:
- حيث بدأت الدعاية المغربية في الآونة الأخيرة، في استعمال نفس المفردات والتوصيفات التي كانت إلى عهد قريب حكرا لنا، حيث أصبح للاحتلال جوقة من الصحراويين يُقدَمون للداخل والخارج بصفة النشطاء الحقوقيين والمختطفين والمعتقلين السابقين والجمعيات الحقوقية الصحراوية، مهمتهم تلميع واقع حقوق الانسان بالمناطق المحتلة وجنوب المغرب وتزيين وجه الاحتلال القبيح وخلط الأوراق وتمييع الانتماء الحقوقي ونزع احتكار الصفة والحديث والملفات من البقية المناضلة، كما يتم تقديم بعضهم بصفة مختطفي/معتقلي/معذبي/ضحايا البوليساريو، ناهيك عن الزعم والحديث عن انتهاكات آنية وانتفاضات وثورات وقلاقل وقمع واحتجاز بمخيمات اللاجئين الصحراويين، كل ذلك لإظهار الجبهة على أنها منتهكة لحقوق الانسان ولها بدورها ماضيها وحاضرها غير المشرفين.
أسلوب التبني:
- من خلال تقديم رموز الشعب الصحراوي على أنهم وحدويون أو مغرر بهم، فمنذ ثلاث سنوات أصبحت العيون المحتلة ومدينة بني ملال المغربية - حيث زاوية لبصير - على موعد سنوي مع تخليد ذكرى فقد محمد سيد ابراهيم بصيري المصادف ل 17 من يونيو باعتباره "مقاوم مغربي وحدوي" كان يناضل من أجل استرجاع الصحراء الغربية لحظيرة "الوطن الأم المغربي!!" قبل اختطافه من طرف الإسبان، لكن الجديد هذه السنة هو تنظيم ندوة مخزنية بمدينة الطنطان/جنوب المغرب بحر الأسبوع الفارط حول مسارات المفقود محمد سيد ابراهيم بصيري والشهيد الولي مصطفى السيد على اعتبارهما مغربيان الأول وحدوي والآخر كان كذلك قبل التغرير به و"تصفيته" في الأخير!!، نفس الأمر بالنسبة للأخ الرئيس محمد عبد العزيز الذي يصبح في الدعاية المغربية مراكشيا وعائلته تادلية – نسبة لمدينة قصبة تادلة حيث كانت تقيم – كما أن مؤسسي الجبهة ليسوا سوى مغاربة قادمين من مختلف المدن المغربية ثاروا لأنهم تعرضوا للغبن والحيف والتهميش والقمع الأوفقيري – نسبة لوزير الداخلية المغربي آنذاك الجنرال أوفقير- نفس الأمر حدث مؤخرا بالنسبة لوفاة الأب والمناضل الكبير المحفوظ علي بيبا حيث أقدم والي الاحتلال بالعيون المحتلة على تقديم التعازي باسم الملك لعائلة الفقيد وعملت الآلة الدعاية المغربية على بث الشكوك حول حقيقة وفاته وافتعال قصة مراجعته لمواقفه "قبل التصفية"!
أسلوب المزاحمة:
- بدأت دولة الاحتلال خاصة في العقد الأخير في تجريب أسلوب المزاحمة من خلال خلق وعاء مغربي استشاري هو "الكوركاس" مارس 2006، أريد له أن يكون منافسا ومزاحما للجبهة في تمثيل الصحراويين ومتحدثا باسمهم في كل البقاع، كما يظهر هذا الأسلوب من خلال الدفع بوفود تتكون من حقوقيين صحراويين صنيعة المخزن على المقاس تجوب عواصم عالمية عديدة، مع التركيز بالأساس على مواعيد حقوقية دولية هامة كمجلس حقوق الانسان بجنيف، المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان... الخ، حيث يقفون جنبا إلى جنب بزورهم ومغالطاتهم مع المناضلين الشرفاء، دون أن ننسى تنظيم المغرب للمسيرات الداعمة لمقترح الحكم الذاتي بعدة عواصم أوروبية والوقفات أمام سفارات الجزائر على غرار مسيراتنا الداعمة لحقنا في الحرية والكرامة ووقفاتنا أمام السفارات المغربية، الأسلوب ذاته استعمل في رفع دعوة قضائية من طرف "كراكيز" المخزن الجدد لدى المحكمة الوطنية الإسبانية ضد مسؤولين في القيادة الصحراوية وذلك ضدا على دعوى أخرى كان قد رفعها صحراويون شرفاء وضحايا حقيقيون ضد مسؤولين/مجرمي إبادة مغاربة بنفس المحكمة، نفس الأسلوب استعمل إبان انعقاد المؤتمر الثاني عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ببلدة التفاريتي المحررة، ما بين 14 و18 ديسمبر 2007، حيث أقدم الاحتلال بالموازاة مع ذلك على تنظيم دورة "گعركاس " بمدينة السمارة المحتلة، وكذلك بالموازاة مع نفس الحدث تم تنظيم أكذوبة أخرى موريتانية المكونات البشرية هذه المرة سميت "مؤتمر أكجيجيمات" حيث تم النفخ في هذا البالون بتواطؤ للأسف مع مراسل قناة الجزيرة "محمد فاضل" لتتوج القصة بإخراج هوليودي وذلك بعودة "المنظمين" إلى المغرب وإعلان دعمهم "للحكم الذاتي".
أما آخر صيحات هذه الدعاية فهو أسلوب التضخيم، حيث تفتقت "العبقرية" الدعائية المغربية وأخرجت للوجود سيناريو تحت عنوان "العودة الجماعية للمحتجزين!" يصلح ليكون هذه المرة فيلما هنديا مملا، حيث لا زال يحصد الكثير من السعفات المغربية والتغطية المكثفة من طرف مختلف وسائل الإعلام المغربية، كل ذلك يرمي من خلاله المغرب المحتل إلى إظهار أن اللعبة انتهت (Game over) فإن لم يكن ذلك بالضربة القاضية... فبتسجيل النقط!!
No hay comentarios:
Publicar un comentario